منطلق المواطنة

أهم مكان تُحفظ فيه نَبتة المواطنة، ليصار إلى استخدامها حيث يجب في حياة الوطن هو الدستور. فالدستور هو الحاضنة التي منها تنطلق الأشعة التي تُنير مفهوم المواطنة والمواطن وتُظْهِره. لهذا فمِنَ المتوقع أن تكون التعاريف والشروحات التي يتضمنها الدستور واضحة صريحة لا لبس فيها، لتؤسس بعد ذلك لتطبيقات صحيحة وصحيّة في دوائر الدولة، المدارس، الجيش، الشارع وكل محطة حياة مشتركة لمختلف المواطنين.

مِنْ هنا نتمنَّى على اللجنة الموكلة تعديل دستورنا أن تولي المادة الثالثة المتعلقة بواحدة من صفات رئيس الجمهورية حيث أنّها تَنْتقص مِن مفهوم المواطنة بنص صريح مفاده "دين رئيس الجمهورية الإسلام".

كيف تنتقص هذه المادة مِنَ المواطنة؟

أولاً هي تفعل هذا لأنها تقرن مفهوم المواطنة بالدين، وهذا تحديد وتقليص للمواطنة التي تجمع الناس على الانتماء للوطن وليس الانتماء للدين. فأنا مواطن سوري لأني أنتمي لسوريا وليس لأنني من هذا الدين أو ذاك. إن ربط المواطنة بالدين يعني أنَّ المواطنين أصبحوا أنواعاً وربما طبقات، وهذا في الواقع يقودنا إلى النقطة التالية

ثانيا هي تفعل هذا لأنها ترفع "نوعَ" مواطن على "أنواع" أخرى من المواطنين. فإذا كان كل المواطنين شركاء في الوطن الواحد، بأيّ حق يكون لبعض المواطنين حق أو امتياز لا يتمتع به الآخرون؟ إنّ هذا الأمر لا يتعلَّق بالديموقراطية أو بالدكتاتورية أو ما بينهما، إنه يتعلّق بمفهوم المواطنة الكامل بغض النظر عن امكانية التطبيق أو عدمها، فمثلا في سوريا الغالبية السكانية هي من المواطنين الذين يدينون بالإسلام، وهذا يعني أنه لن يكون في حالٍ مِن الأحوال في انتخابات ما، رئيس للبلاد مِنَ المواطنين الذين يدينون بالمسيحية أو باليزيدية مثلاً، وسيقول أحدهم: وإذا أين الإشكالية؟ إن الإشكالية في المبدأ، في كيف ننظر إلى بعضنا البعض، والأخطر ليس نظرتي لك أو نظرتك لي، بل كيف ينظر الدستور إلى كلينا؟

إضافة إلى ما سبق، وبغض النظر عن قضية دين الرئيس بعينه، إن ربط المواطنة بالدين يجعل انتماء الناس للوطن مرهون بالدين بل ويمر به قبل أن يصل إلى محطة المواطنة، وهنا لن آتي بأمثلة عن أديان أو مذاهب غير مصنفة كأرضية أو ممر للمواطنة كما الإسلام والمسيحية، بل سأشير إلى أولئك الذين لا يريدون أن يكونوا مسلمين ولا مسيحيين ولا من أتباع دين آخر؟ أي نوع من المواطنة سيشمل أولئك الذين يفضلون أن يكونوا بلا دين معين؟ وهنا سائل آخر سيقول: وأين هم؟ هل لدينا أشخاص بلا دين بمعنى لا ينتمون لدين ما؟ والجواب البديهي: رسميا لا، ولكن قلبيا وفكريا هناك كثيرون، وهم لا يستطيعون أن يتحركوا بهذا الاتجاه لأن كل تطبيقات المواطنة تمرّ مِن أو تنطلق مِن أو ترتكز بشكل كلِّي على "الأديان" المعترف بها رسميا على أرض الوطن!

ما أعجب هذه المواطنة التي نبني عليها وطناً؟

السادة أعضاء لجنة التعديل

لربما الفلسفة الاقتصادية التي يكرسها الدستور هامة، ولربما علاقة السلطات التي يحددها ويرسمها الدستور ضرورية جدا، ولربما هناك مواضيع أخرى هامة، والواقع كل مواضيع الدستور هامة، لكن لا مادة فيه تفوق أهمية الصورة التي يرسمها لـ "المواطن"!

اليوم، ما دمنا قد فتحنا هذه الورشة، وورشة تعديل الدستور عادة لا تُفتح إلا نادرا في حياة الشعوب، لنمتلك الجرأة التي تجعلنا نكتب دستوراً يليق بالوطن الذي ننتمي إليه، ونريد إظهار صورته كنموذج للعالم.

حلب 27 كانون1 2011