من مفكرة نازح

الجيل الضائع

أنا الجيل الذي ملأوه حتى انفجر شتماً وكرهاً للنكبة والثلاثي والنكسة وكامب ديفيد والعربة. وانبَلَج فخراً بحرب تشرين والكرامة التي رشّتها علينا وعلى الأمة العربية.

أنا الجيل الذي صَرَخَ بحياة الأمة العربية، ودَرَس سهولها وجبالها وأنهارها وشطآنها ودوابها واقطاعياتها الـمُنحطّة السخيفة.

أنا الجيل الذي تجنَّد حارساً للغة العربية أمام كلّ الأعداء الحقيقيين والوهميين الذين يَترصّدونها ويَسعون لتقويضها، وكرهتُ على حجتها كلّ لغة، واحتقرتُ كلّ لغة، وسحقتُ تحت قدميّ كلّ لغة غيرها ينطق بها إنسان على أرض "أمتي".

أنا الجيل الذي ربَّيْت في بيتي فتاةً جميلة حلوة مُشردة اسمها فلسطين، وحلمتُ بها كبيرة - حتى أكبر مِن بيتي أنا، أطعمتُها وأشربتُها وكسوتُها وحمّمتُها وجَدَلتُ لها شعرها الأسود الأشعث الطويل.

أنا الجيل الذي شَتَم الأنظمة العربية الرجعية، والامبريالية العالمية، والرجعية الاستغلالية، وكل القوى التي تسعى لتقويض مُستقبلي – حتى دون أنْ أعرفَها.

أنا الجيل الذي اكتشف أخيراً

أنني بلا بيت ولا مأوى ولا صديق ولا معين!

أنا الجيل الذي اكتشفَ أخيراً أنّ اقطاعيات العرب تعيش فيها حُثالة الأقوام، وزبالة الشعوب. الخيانة شِيَمها، والسرقة عنوانها، والكراهية وِسَامها، وتدمير كلّ مَبْنيٍّ هدفها.

أنا الجيل الذي اكتشف أخيراً أنّ الصبية التي كنتُ أربّيها في بيتي، كانتْ تخدعني، فأصبحتْ حيّة في بيتي، وأمستْ شوكة في خاصرتي.

أنا الجيل الذي اكتشف أنّ الامبريالية العالمية وجه يقابله وجه الاشتراكية السخيفة، وقوى التحرر العالمي التافهة كما الديموقراطيات الكاذبة التي تستميت لاستعبادي.

أنا الجيل الذي اكتشف أنّ المهرّبين يُمكن أنْ يصيروا ثواراً، والمجرمين والسارقين حماةً للديار، والأمّيين قضاة للشعب، والمغتربين المتفذلكين رؤوس حربة لقتلي.

أنا الجيل الذي اكتشف أنّ الثورة جاموس متوحش يَكسِر ويحطم كلّ عامرٍ وكلّ صائرٍ وكلّ مدنيّة. جاموس مُبرمج مِن قِبَل دَواب الأرض لتحويل الدنيا إلى أرض قاحلة فارغة جوفاء، لِتزرعها جوعا، وتبنيها خيالات، ثم تأكلُ منها حسكا، تطعم ابنك سمًّا.

أنا الجيل الذي اكتشف سهولة أنْ يكذب الإنسان على نفسه ويصدقها، ثم ينطلق ليقنع الآخرين بكذبه، فيلاحظون أنه يكذب على نفسه وعليهم - ويصدقونه، ثم يجولون العالم ليقنعوا الشعوب بالكذب الذي صدقوه وأضافوا عليه.

أنا الجيل الذي يُعاصر انهيار كل شيء مِن حوله، ولا يبقى له سوى فقاعة هواء خيالية يعيش فيها: بيته، عائلته، أقرباءه، أعماله، أحلامه، وطنه وأغاني الطفولة، إنْ بقي منها شيء!

أنا جيل حَكَمَ عليّ وَحشٌ يلبس ثياب إنسان بالموت البطيء، كل يوم رصاصة في مكان غير مميت، كلّ يوم أنزف نفسي على قارعة ما كان يُدعى وطن، كلّ يوم أنزف نفسي عند أقدام ثوار خرجوا للتو مِن زريبة يحتارون مِن مقدار تشابههم مع "ما" كانوا معه في داخلها.

أنا جيل لن يكون بعد قليل. أورّث أولادي هَبَاء وجنونا ودماء ودمار، فهنيئا لهم!

مِن أرض التشرد 15 أيلول 2013