مَن راقب الناس مات همًّا

يُصِيبك العجب من شدة مراقبة المسلمين للعالم من حولهم، حتى – بل وخاصة - ذلك العالم البعيد القابع خلف المحيطات.

من العجيب كم يتفرغ الشيوخ ومُريدُوهم، ومَن يُدعون "علماء" وأتباعهم للمراقبة، بل ترى في بعض الحالات أن داء المراقبة قد انتقلَ للعامة أيضا.

هنا في مدينة أميركية لم يسمع بها أحد، إمرأة مَنَعت المسلمين دخول متجرها،

وهناك تلميذة مَنَعَتها إدارة مدرستها مِن لبس الحجاب،

وهناك قُتِل رجل مسلم بحادثة عَرَضيّة، تحوّل إلى محطة اهتمام مُتعلّقة بالتمميز ضد المسلمين،

ثم هناك مراقبة الصناعات والتجارة، والتي تحولت إلى كابوس مراقبة وهجومم إسلامي مضاد، يتصدى لكل محاولة تجارية تحاول اكتساح المجتمعات الإسلامية، ليصار إلى أسلمتها فورا! وهذا ما حدث فأنتجوا "مكة كولا" بدلا عن الكوكاكولا نصرانية، وكذلك "أحمد تي" بديلا عن شاي ليبتون النصراني. ولم ينسوا النسكافيه فأسلموه ليصبح "علي كافيه".

ثم امتدت مراقبتهم لتصل إلى ألعاب الأطفال فوجدوا مجون "باربي" لا يلائم المجتمع المسلم وحاجات أطفاله، فألبسوها الحجاب وغيروا اسمها لتصير فلة!

وتوقيت غرينتش رمز مِن رموز النصرانية فلابد مِن توقيت مسلم، فكان توقيت مكة، ثم عاد بعضهم إلى القبلة القديمة، فكان توقيت القدس!

وملكة جمال للمحجبات، وعرض أزياء للمحجبات، وزي رياضي للمحجبات المحتشمات، وأفلام كرتون إسلامية، وأغاني دينية على طريقة الطرب الغربي الماجن،

وكل المسلمين الذين يُقطّعهم القتال في أفغانستان وباكستان – يوميا - لا أهمية لهم، أمّا مقتل بعض المشاغبين المسلمين على أيدي الشرطة الصينية الكافرة فهي حتما قضية المحطات الإسلامية كلها.

وكل المسلمين الذين يقتلهم التوحش الـمُنفَلِت في سوريا والعراق – يوميا - لا أهمية لهم، مقابل بعض المتمردين المسلمين الذين قتلتهم قوات مينمار الكافرة،

وكل الكنائس التي أُحْرِقَت أو هُدِّمَت في مصر وسوريا والعراق لا أهمية لها، ولكن الجامع الذي أُحْرِقَ في السويد، وربما مِن قِبَل أصحابه، صار قضية رأي عام، وحريات مقموعة في بلد السويد "المتخلف"!

مِن العجيب كم يتوفر للمسلمين وقت للمتابعة، وآذان وعيون للمراقبة!

بل مِن العجيب كم مشاعرهم رقيقة حساسة مرهفة أمام كل حادثة اضطهاد لمسلم "يقطع السبعة وذمتها" في باريس، عندما يوقفه رجال الشرطة، ليتحول إلى قضية تمييز عنصري!

مِن العجيب كم يعرف المسلمون حقوق الإنسان والحيوان والنساء والأطفال والمهاجرين والأقليات والمجموعات الاثنية والدينية الصغيرة في كل بلاد الغرب، لكنهم لا يعرفونها ولا سمعوا بها ولا خطرت ببالهم في بلاد الإسلام العريقة!

مِن العجيب كم يعرفون لغات كثيرة حول العالم، فبابا الفاتيكان قال جملة أساء فيها لهمجية حروب الردة، والبطرك الروسي قال شيئا أهان الإسلام، والدالاي لاما حَقَّر الإسلام في كلمة وردت في جملة قالها ربما قبل النوم ...

ووسائل إعلام المسلمين تضج مستنكرة خبر ظهور زوجة الرئيس الأميركي بلا حجاب في السعودية، بينما لم تر تلك الوسائل ولا شيوخها ولا "علماؤها" السبايا عاريات في أسواق نخاسة المسلمين في الرقة والموصل!

ستموتون وأنتم تراقبون الناس، فتابعوا المراقبة رجاء، بل أكثروا منها.

5 شباط 2015