مثل الوزنات وأرخيلاوس

يرى بعض المفسرين أن الرب يسوع المسيح قصد بمثل الوزنات (مت25/14-30) أرخيلاوس الملك، والقلاقل السياسية التي عبرت ببعض ايام حكمه.

في الواقع، يبدو هذا التفسير بتفاصيله العديدة جميلا. وبسبب اختلافه كليا عن السوابق التفسيرية لهذا المثل، يستطيع أن يحقق اعجابا من قِبل كثيرين، وهذا سيُعجب صاحبه بالطبع، لكن الغاية التفسيرية ليست إعجاب الناس، ولا إرتياح المفسر!

يستطيع هذا التفسير ربط المثل / القصة بالواقع التاريخي الذي كان قائما يوم سرد القصة الرب يسوع، مما يجعل المثل أكثر قربا من الواقع، وبالطبع خفف العبء الناتج عن تحديات التفسير التقليدي التي تلقي بسؤولية كبيرة على عاتق المؤمن.

لكنه – أقصد هذا التفسير – لا يستطيع أن يُجيب على الأسئلة المتعلقة بالمثل، ولا أن يُحلحل بعض صعوباته، بل بالحقيقة يزيدها. وهنا أعرض لبعض أزمات هذا التفسير:

-         بداية، أخرج هذا التفسير النص من سياقه القريب، أي مضمون الأصحاح 25 الذي يتوسطه هذا المثل، ومنه إلى الأصحاح 24 الذي مهد له، وبداية أحداث الأصحاح 26 التي أتت خاتمة لأحاديث الـ 24 و25. فماذا يتضمن هذا السياق القريب؟

o       يتفرغ الأصحاح 24 للأحاديث المتعلقة بالهيكل، وايامه الأخيره، والصعوبات التي سترافق أحداثه الأخيرة.

o       والرد الطبيعي على مسلسل أحداث الـ24 هو مثل العذارى العشر والانتظار الفاعل، والوعي لحقيقة وواقعية ما سيحدث كما روى الرب يسوع في الـ24، وبعد مثل العذارى الذي يبدأ به الـ25 يأتي مثلنا، أي مثل الوزنات، ليأتي بعده مباشرة وصف مجيء ابن الإنسان وحسابه للذين عن يمينه وعن يساره الذي تطابق نتائجه نتائج مثل الوزنات للأولئك الذين نجحوا وللذين فشلوا، أو بمعنى أدق فَشَّلو أنفسهم!

o       لنصل إلى نهاية هذه الصفحة من خدمة الرب يسوع بمقدمة الأصحاح 26/1و2 "وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ".

السؤال المهم هنا: كيف يخدم هذا التفسير هذا السياق؟ أو بمعنى آخر كيف يمكن اعتبار هذا التفسير يُكْمِل ويوضح ويُساير السياق المعروض في هذا الجزء من إنجيل متى؟

-         الوقوع في خطيئة التفسير الرمزي! بالرغم من أن هذا التفسير لا يُقَدّم على أنه تفسير رمزي للنص، بل تفسير حرفي تاريخي، إلا أنه في الواقع يقع بنفس خطيئة التفسير الرمزي الذي يُحطّم أصحابه نصوص الكتاب المقدس ويعجنونها على هواهم.

فالإنسان المسافر يرمز لأرخيلاوس الملك، والعبيد هم فئات الشعب، وكل عبد يُمثل فئة من الشعب، فعبد يُمثل فئة الخانعين وعبد يُمثل فئة الوصوليين وعبد يُمثل فئة المعارضين... لكن من قال هذا؟ وأين نجد أدنى، أقل، أبسط تأكيد على هذا؟

واقعيا، ألا يُشبه هذا حديث المفسر الرمزي عندما يشرح لك قصة السامري الصالح، فيكون السامري رمزا للإنسان الذي كان يعيش بالقداسة المرموز لها هنا بأورشليم، ثم ينحدر نحو الخطية أي أريحا... إلى آخر تخريفات الرمزيين!

هذا التطبيق سيفتح المجال لباب واسع من التكهنات، إذ ربما يأتي أحدهم ويقول أن الإنسان في المثل يُمثل رئيس الكهنة الذي كان صدوقيا، لكنه يمثل كل فئات اليهود لأنه رئيس كهنة، والعبيد يرمز كل منهم إلى فئة من فئات الشعب من الفريسيين والصدوقيين والأسينيين...

-         ثم كسر هذا التفسر القاعدة التفسيرية التي تلزمنا أن ننظر إلى كل مثل كقصة واحدة لها غاية واحدة أو عبرة واحدة، تم سرد القصة من أجلها. إذ لا يمكن اعتبار كل عنصر من عناصر المثل / القصة مادة تفسيرية، إذ سيتحول المثل عندئذ إلى مجموعة لا نهاية لها من العِبر والنتائج والتطبيقات. تخيل أن تفعل هذا مثلا مع مثل انتظار اللص الآتي ليسرق البيت، أو مع مثل الأرملة وقاضي الظلم!

إن ما يحتاج أن ينتبه إليه قارئ المثل أن القصة لا تتحدث على شخص يخسر إيمانه وبنوته لله بسبب كسله أو قلة خدمته، أو برودة حرارة الإيمان لديه. فالخلاص مفعوله ثابت مستمر وأبدي، وبنوة الله ثابتة ما دام الله ثابتا، ودائمة ما دام الله ضامنها. من هنا تبدأ قاعدة الحياة وفهم النص الكتابي. كسلي أو فشلي أو حتى قلة حيلتي في تكريسي للرب وخدمتي له، هو مشكلة، لكنها لا تتعلق بالبنوة والخلاص الأبدي المضمون بضمانة المخلص نفسه. ووقوعي بالخطية كإبن لله أمر غير مقبول كما يقول الرسول يوحنا (1يو2/1)، لكن ذلك لن يخسرني بنوتي لله وخلاصي الأبدي (1كو3/12-15).

  

كالغري 20 شباط 2019

#pastorajji